بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد
فإن الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو عبادة بدنية كالصلاة والصيام، وهو قصد البيت الحرام لأداء عبادة مخصوصة من الاحرام والطواف بالكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة ورمي الجمار بمزدلف والمبيت بمنى.
ومن وجب عليه الحج واستوفى شروطه، وجب عليه أن يحج بنفسه، ومن حضره الموت قبل أن يحج، يجب عليه أن يوصي بالحج عنه وأن ينيب غيره وأن يوكل غيره بالحج، وكذلك من عجز عن أداء الحج بنفسه لكبر سن أو مرض مزمن لا يرجى برؤه، وجب عليه أن يوكل غيره وأن ينيب أحداً يقوم بهذا الركن العظيم، ومن مات قبل أن يحج وجب على الورثة أن يحجوا عنه أو ينيبوا ويوكلوا غيرهم بالحج عن ميتهم، والأصل في هذا حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» رواه البخاري
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ، جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ. رواه البخاري
شروط الحج عن الغير والنيابة فيه
وقد اشترط الفقهاء للحج عن الغير والنيابة فيه، شروطا منها:
أولاً: أن يكون هذا الحاج قد حج عن نفسه حجة الإسلام أولاً ثم يحج عن الغير، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، فَقَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟» ، فَقَالَ: ” أَخِي أَوْ قَرِيبٌ لِي قَالَ: ” هَلْ حَجَجْتَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: «فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْكَ، ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ. رواه ابن خزيمة في صحيحه
ثانياً: أن تكون النيابة عن شخص عاجز عن أداء الفريضة عجزاً مستمراً لا يُرْجَى زواله لمرض أو كِبَر، أو تكون عمن مات وقد وجب عليه الحج لتمكنه من أدائه فلم يحج.
ثالثاً: أن يكون هذا الحاج قادرا على أداء المناسك بنفسه، بمعني أن يكون قوياً يستطيع ممارسة أعمال الحج جميعها.
رابعاً: أن يكون هذا الحاج أمينا ثقة عدلا معروفاً، وأن يكون مخلصاً لله تعالى .
يقول الفقهاء: ويمكن اهداء ثواب الحج عن الغير من أجل الأجر والثواب، حيث ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة و الشافعية، أن إهداء ثواب العمل الصالح للأموات من الحج وغيره جائز، وأنه يصل إليهم بإذن الله تعالى.
خامساً: ويصح أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة،- والمرأة عن المرأة والرجل -في حج الفريضة
التوكيل والنيابة في الحج عن الغير.
يجوز التوكيل بالحج في حالتين:
الأولى: إذا تُوفي إنسان مسلم قد وجب عليه الحج ولم يحجّ، يجب على ورثته أن يستأجروا من تركته من يحجّ عنه، ولو حج عنه مسلم متبرّعًا جاز، سواء كان من ورثته أم لا.
الحالة الثانية: إذا كان المسلم مريضاً مرضًا لا يُرجَى شفاؤه، أو هرِمًا لا يستطيع السفر وله مال، وجب عليه أن يوكّل من يحجّ عنه ولو بأجرة.
*وقد ذهب الشافعية إلى أنه مَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٌّ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ، كَمَا تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ اُسْتُحِبَّ لِوَارِثِهِ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، فَإِنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ بِاسْتِئْجَارٍ سَقَطَ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَلَوْ حَجَّ عَنْهُ أَجْنَبِيٍّ جَازَ وَيَبْرَأُ الْمَيِّتُ بِهِ.
والحمد لله رب العالمين